الغواصة .. والمناورة 2

12 Aug 2017

الغواصة .. والمناورة 2

———————–

إتكلمنا فى المقال السابق عن إستلام مصر للغواصة “S42” من طراز “209 / 1400mod” .. وقولنا إن دى تعتبر نقلة نوعية بالنسبة للقوات البحرية المصرية .. ولسلاح الغواصات المصرى .. وخصوصاً بعد إكتمال الصفقة وإستلام مصر للغواصتين الباقيتين … ونوّهنا إن مصر مش بس بــ تسعى جاهدة لملئ الفراغ الإستراتيجى ، اللى عمله سقوط الجيوش الكبرى لمعظم دول المنطقة  … لكن كمان لحماية مقدرات الشعب المصرى .. والثروات الهامة اللى بدأت تظهر .. وبالذات على سواحل مصر وداخل المياه الإقليمية والإقتصادية المصرية .. لأنك لو لم تمتلك القوة والقدرة على الردع .. يبقى توقع السقوط السريع .. فى ظل تحديات شرسة وحرب بقاء على كافة الأصعدة !

تحركات مصر على الصعيد العسكرى وتنامى الذراع الطولى للجيش المصرى لأقصى إمتداد حدود الأمن القومى المصرى، بــ يوضح إنه فيه خطة موضوعة ، بتشتغل عليها الدولة ، وبتقوم بتوفير التأمين اللازم لها قبل حتى ما تظهر للنور .. وخصوصاً إن تأمين

السواحل البحرية المصرية ، وبالذات السواحل الشمالية اللي هــ يتواجد فيها المفاعل النووي المصري .. بالإضافة لحقول الغاز البحرية سواء المكتشفة ، أو ما سيتم إكتشافه شمالاً وشرقاً … هــ يكون هو الرهان الاقتصادي الضخم والنواه اللي هــ تعتمد عليها مصر في حسابات القوة المستقبلية السياسية والإقتصادية ..

والكلام ده بقى ياخدنا لمناورات كليوباترا 2017 اللى تمت مع فرنسا الشهر اللى فات .. والمناورات العسكرية المشتركة مع اليونان من كام يوم .. بالإضافة كمان لمناورات النجم الساطع مع القوات الأميريكية اللى تقرر عودتها من خلال جدول محدد بداية من الشهر القادم …… و …….

فى البداية هــ نلاقى إن فرنسا كانت الخيار الإستراتيجى الأول بالنسبة لمصر فى معادلة القوى الدولية .. وفى إطار تشكيل المنظومة الجديدة للنظام العالمى الجديد اللى إتكلمنا عليها كتير قبل كدة … وكانت فرنسا هى المحطة الأولى لمصر فى المعسكر الغربى فى عملية تفتيت الجبهات وكسر إحتكار السلاح الأميريكى لمصر .. وعلشان كدة شوفنا صفقات طائرات الرافال ، وحاملات الطائرات ميسترال ، وغيرها من القطع البحرية .. طب لييه فرنسا !!؟؟ .. لأنه كان أفضل إستغلال للصراع الأزلى والقائم بالفعل على مناطق النفوذ فى أفريقيا بين أميريكا وفرنسا .. والكلام ده شرحناه قبل كدة فى أكثر من مقال !!

ومن منطلق دور مصر فى ملئ الفراغ الإستراتيجى الإقليمى .. فالمناورات البحرية المصرية الفرنسية كليوباترا 2017 .. واللى تم فيها إستخدام معظم القطع البحرية بما فيها حاملات الطائرات ميسترال .. وتواجد فرنسى عسكرى فى مناورات مشتركة فى البحر الأحمر لأول مرة … مش ممكن تمر مرور الكرام كدة .. وإوعى تستهين بيها .. لأن مصر هنا بتعيد رسم التوازن الإقليمى من خلال إعادة هيكلة النفوذ الغربى فى المنطقة فيما يتوافق مع الرؤية المصرية وفيما لا يتعارض مع أبجديات الأمن القومى المصرى .. بل ويخدمه فى نفس الوقت

بالبلدى كدة .. مصر بتكسر النفوذ الأميريكى المنفرد فى المنطقة من سنين طويلة .. وبما إن القوة العسكرية المصرية بتتنامى بشكل كبير .. وبتعيد السيطرة على المحيط الإقليمى لها بعد غياب طويل .. فــ مصر مش هــ تسمح لأى قوة من القوى العالمية إنها تحط رجلها فى المنطقة إلا من خلال البوابة المصرية .. ومن منطلق التعاون والشراكة الإستراتيجية ..، مش من منطلق الهيمنة … وعلشان كدة ، فــ إختيار فرنسا تحديداً للإشتراك فى مناورات عسكرية مشتركة .. وفى البحر الأحمر بالذات ، هو رسالة ضمنية لأطراف كتيرة ، أولهم الولايات المتحدة ، وروسيا .. إن اللى يتعامل مع مصر داخل محيطها الإقليمى ، لازم يتعامل معاها من منطلق الند للند ، لأن مصر ما تتحطش تحت الباط.

والمتابع للتحركات المصرية الخارجية على مدار الــ 3 سنوات اللى فاتوا .. والمتابع ايضا لتحليلاتنا .. هــ يلاقى إن مصر مهدت لكل اللى بيحصل النهاردة ، عن طريق توطيد علاقتها بــ 3 دول مهمين جداً على مستوى العالم .. وهــ يكونوا أهم اعمدة النظام العالمى الجديد ، ناهينا طبعا عن إنهم لهم حق الفيتو فى مجلس الأمن الدولى ..

الدولة الأولى هى روسيا .. وإحنا إتكلمنا عن علاقة مصر بروسيا فى مقالات مطوّلة .. وياريت ماحدش يقوللى إن علاقة مصر بروسيا متوترة .. وفين السياحة الروسية والكلام ده …. لإن مصر بالنسبة لروسيا هى خيار إستراتيجى ماتقدرش تستغنى عنه .. ولعبة الشد والجذب  هى لعبة سياسية مشروعة بين الأنداد .. بتحاول فيها روسيا تحقيق اكبر مكاسب ممكنة ، ومصر بتفرض شخصيتها وبتقول أنا مايتلويش ذراعى … وأظن مافيش دليل على قوة العلاقات المصرية الروسية من إزاحة روسيا لتركيا فيما يتعلق بالملف السورى وطلب روسيا تدخل مصر فى التوفيق والتنسيق بين فصائل المعارضة ، واالى نجحت فيه مصر نجاح كامل .. وطبعا ده غير صفقات التسليح بين مصر وروسيا سواء المعلن منها أو الغير معلن 🙂

الدولة الثانية هى الصين ، واللى مصر حققت في علاقتها معاها قفزة كبيرة على مستوى المجال الإقتصادى ، والإستراتيجى وبالذات بعد زيارة الرئيس الصين لمصر ، وقيام الصين بدعوة مصر لحضور إجتماع قمة العشرين فى الصين .. و ده كان يثبت بعد نظر الرؤية المصرية .. وخصوصا بعد إعتبار العملة الصينية الــ “إيوان الصينى” عملة دولية تدخل ضمن العملات المعترف بيها ضمن الإحتياطات النقدية الدولية العالمية .. و ده غير إن الصين هى أكبر مستثمر فى العاصمة الإدارية الجديدة وفى محور التنمية .. وإوعو تنسوا إن روسيا والصين هم اهم دولتين فى إتفاقية البريكس العالمية (BRICS) …

الدولة الثالثة هى فرنسا .. وعلاقة مصر بيها تخطت  مستوى الشراكة الاستيراتيجية .. وممكن تكون فى طريقها إلى التحالف الاستيراتيجى الكامل .. ويمكن ده جزء من أسباب الضربات اللى تلقتها فرنسا فى الفترة الماضية واللى إتكلمنا عنها برضوا فى اكثر من مقال .. منهم على سبيل المثال لا الحصر

و ده اللى بيأكده البيان اللى اصدرته القوات المسلحة فيما يخص مناورات كليوباترا 2017 لما اتكلم عن البلدين الشقيقين .. وكان قصده طبعا مصر وفرنسا 🙂 .. وطبعا مش محتاجين نقول إن البيانات اللى زى دى بتكون متراجعة مليون مرة من الشئون المعنوية لأنها بتكون تحت العين المجهرية لكل الأطراف الدولية .. يعنى كل جملة وكلمة لازم تحمل معناها … و ده معناه رسالة … ورسالة قوية كمان !!

المناورة العسكرية المصرية الفرنسية هى أول مناورة عسكرية تقوم بها مصر فى البحر الحمر بعد إعادة ترسيم الحدود بين مصر والسعودية .. طب ياترى ده مش بيفكركم بحاجة !!؟؟ … مش بيفكركم بالمناورات العسكرية بين مصر وروسيا ، وبين مصر واليونان .. وبين مصر واليونان وقبرص .. وحتى بين مصر واليونان تانى ، اللى كانت من كام يوم.. واللى إتعملوا كلهم بعد إعادة ترسيم الحدود البحرية فى المياه الإقتصادية بين مصر وقبرص واليونان !!؟؟ وكانو قبل وفى أعقاب إكتشافات الغاز الكبيرة فى مياه مصر الإقتصادية وعلى حدودها وسواحلها البحرية !!؟ .. يعنى الموضوع مش ملئ فراغ إستراتيجى ناتج عن تهاوى قوى عسكرية إقليمية زى العراق و سوريا ، وإنهيار قوة إقتصادية وعسكرية زى ليبيا فقط .. لكن ده لحماية مكتسبات مصر الجديدة وحماية ثرواتها .. وإرسال رسائل للعالم كله إن مصر مش هــ تسمح لأى حد يقرب من حدود مصر وثرواتها اللى تم إكتشافها أو اللى لسة هــ يتم إكتشافها والإعلان عنها قريب … يعنى مصر بتقول بكل وضوح إنها مش بس جاهزة لتفليم الأظافر ، ولكن لبتر أى إيد تمتد لمصر وشعبها بسوء .. !

واللى بيقول مصر بتشترى سلاح ليه .. لازم يفهم إن مصر فى جميع المناورات العسكرية اللى قامت بيها قواتنا المسلحة ، سواءً كانت مناورات مشتركة ، أو مناورات عسكرية منفردة .. بتبعث رسالة ردع لكل الأطراف المتربصة .. وخصوصاً إن قوة مصر هى قوة حقيقية مش مجرد قوة إستعراضية زى اللى بتعملها بعض الأطراف الإقليمية بهدف شغل الرأى العام وخلاص .. وعلشان كدة نلاحظ إن القوى الدولية هى اللى سعت لعمل مناورات مشتركة مع مصر .. لكن ماعملتش كدة مع الأطراف الأخرى ، لأنهم عارفين إنهم مجرد قوى كرتونية ، لا ترقى لمستوى الجيش المصرى ، ولا لمستوى التحديات المحدقة بالمنطقة ..

مصر دلوقتى أصبحت أمر واقع يفرض نفسه على الساحة سواء كقوة عسكرية ، وأقتصادية متنامية على الصعيدين العسكرى والإقتصادى .. وكمان أوقفت مشروع التأسلم السياسى و المليشيات المسلحة اللى كان الهدف من المخطط إنها تحل محل دول وحكومات المنطقة .. علشان تغرق المنطقة كلها فى صراعات طائفية .. وتنهار الحكومات التقليدية ويحل محلها شوية صيع ومليشيات مسلحة يتم تمويلهم طول الوقت علشان يفضلوا يقطعوا فى بعض ويتم تشريد الشعوب ، وإبادة تاريخهم وحضاراتهم .. ويقدر الغرب بالتالى يسيطر على الأراضى الإستراتيجية اللى تخدم اجندته .. وكمان يسيطر على الثروات ويسرقها لصالحه .. زى ما كان بيحصل فى ليبيا وسوريا والعراق فى الكام سنة اللى فاتوا …

لكن مصر قالت لأ .. ووقفت .. وبتدفع الثمن غالى .. وعلشان كدة لازم نبقى فاهمين ومتأكدين إن اللى بتقوم به مصر النهاردة هــ يكون له مردود كبير على مستقبل المنطقة كلها … ولسنين طويلة … و ده اللى بنشوفه وبيتحقق قدام عنينا كل يوم .. وبعد ما كانت مصر دولة محاصرة تماما فى 2013 .. واميريكا بتمنع عنها المعونة العسكرية .. وبتوقف مناورات النجم الساطع كإجراء عقابى لمصر .. دلوقتى مصر هى اللى بتقرر بعد أكثر من 6 شهور من الرفض ، إن مناورات النجم الساطع مع الجيش الأميريكى ترجع تانى فى شهر سبتمبر القادم .. بعد ما الجيش تنامت قدرته الضاربة .. وبقى بيعمل مناورات متعددة مع أطراف إقليمية ودولية زى روسيا واليونان وقبرص وفرنسا والسعودية والإمارات .. وتدريبات عسكرية مع ألمانيا ..

شئ بجد جميل ويفرح .. لما نلاقى القوى الدولية هى اللى بتتسابق علشان تقرب منك وتخطب ودك .. لأنهم عارفين ومتأكدين كويس إن انت مفتاح المنطقة كلها .. وإن دورك مهم كرمانة ميزان الشرق الأوسط .. وإنك لو ماكانش لك وزن حقيقى وفعلى .. ماكانش حد فكر إنه يقرب منك ..

ربنا يحفظ مصر بجيشها وشعبها ويلهم قيادتها الرشد والصواب لما فيه خير بلدنا ….

والقادم افضل بإذن الله .. 🙂

 لمتابعة تعليقاتكم